موضضضوع اعجببببنى :
منقول عن مجلة التششكيلى:
http://www.altshkeely.com

ما ببعد................. البديهى
بقلم بيتر بلاغنز

فى المتاحف والمعارض، من كوبنهاغن إلى فيينا، تنال أخيرا باقة رائعة من الفنانين المغمورين قسطها من الشهرة.
في الحقبات السوداء التي شهدها مطلع القرن الـ 20، كانت عبارة الكاسح الضخم كلمة مشؤومة، إذ كانت تعني قنبلة ضخمة قادرة على إزالة مبان بمنطقة مدنية بأكملها. أما اليوم، فهذه الكلمة من تعابير القاموس الوديعة إجمالا، فهي ترمز في أسوأ الأحوال إلى سلسلة متاجر لتأجير الأفلام وفي أفضل الأحوال إلى معرض ضخم ينظمه متحف ما بهدف استقطاب الكثير من الزوار. وبما أن الحشود الضخمة تأتي بالمزيد من الأموال لتنظيم مزيد مى المعارض الضخمة، يبدو أن هذا النوع من المعارض يحتل على الدوام دور المتاحف. لكن مشكلة المعارض الكبرى أنها تميل إلى تقديم مجموعة معروفة من كبار الفنانين بشكل متكرر. لا بل الأسوأ من ذلك أنها تتجاهل طائفة واسعة من الفنانين الرائعين الذين لا يحظون بالشهرة ذاتها، ولو أن أعمالهم تليق بمعارض رفيعة الذوق. لكن الخبر السار لهذا الصيف أن أوروبا ملأى بمثل هذه المعارض الصغيرة والبعيدة عن الأضواء الإعلامية، والتي تنجذب لها العين الخبيرة وتندهش أمامها الأنظار غيرر المتمرسة.
لنبدأ جولتنا في كوبنهاجن التي لا تأتي في صدارة المراكز الفنية الكبرى رغم أنها مدينة ساحرة متمدنة وجميلة وتعج كثيرا... بالدراجات، أجل بالدراجات ونعم التغيير! وفي كوبنهاغن ستقدم ثلاثة عروض في ثلاثة متاحف مختلفة هي خير مثال على متعة النطرإلى ما بعد البديهي. فرحلة قصيرة بالقطار شمالا توصلكم إلى ضواحي همليباك النظيفة البعيدة عن الأضواء، حيث يعرض متحف لويزيانا الرائع اللوحات الأولى حول الماسونية للفنان بيركركيبي (ويستمر العرض حتى الأول من سبتمبر). وبيركركيبي، ابن الى 63 عاما، الذي يعتبر من دون جدل أشهر الرسامين المعاصرين في الدانمارك، لا ينفك يرسم ويرسم ويرسم مناظر طبيعية تجريدية مفعمة بالحيوية وبألوان دقيقة. وبالعودة إلى الستينات، حين كان يحاول إيجاد أسلوبه الخاص، أعد رسومات عن كل الأمور، ما عدا- كما يقال مثلا- مغسلة المطبخ فشملت لوحاته عارضات أزياء وسياجات بأوتاد وخيما منغولية وأساطير دانماركية ورعاة بقر وكل ما يمكن أن تتصوره. وربما يعرض متحف لويزيانا الكثير من لوحات كركيبي الخشنة (108) على جدرانه لكن فرحة الفنان في الرسم تشع من خلال هذا الإفراط. وعادة لا يذيع صيت الفنانين الحديثين الاسكندنافيين خارج بلدانهم (وربما لهذا السبب يصرخ الصارخ في لوحة إدوارد مونش). فأفضلهم مر بأوقات عصيبة حتى في بيئته الخاصة. واليكم على سبيل المثال الثنائي المنحوس سيغرد جرتن واسحق غرونولد، نجمي معرض "الحياة العائلية والحركة الريادية 1910-1919 " في متحف أركن المستمر حتى الأول من سبتمبر. (ويمكنكم بلوغ هذا المتحف بسهولة في رحلة قصيرة بالقطار من كوبنهاغن باتجاه الجنوب). وقد ولد الفنانان في السويد، ودرسا في باريس مع ماتيس، وعرضا لوحاتهما التعبيرية في معارض ريادية في كل أرجاء اسكندنافيا. لكن لأنه متحدر من عائلة مهاجرة يهودية، ولأنها كانت امرأة، فحتى الفنانون المتمردون على الأعراف اعتبروا أن الأول يشكل تهديدا، والثانية لا تستحق الشهرة وقد عانى الاثنان بسبب ذلك. وفي النهاية انهار فنهما وحياتهما، وقد تمحورا حول ابنهما الحبيب إيفان. ففي عام 1946، لقي غرونولد مصرعه في حادث تحطم طائرة بعد أن طلق جرتن وتزوج بطالبة في معهد ستوكهولم حيث كان مدرسا. وبعد سنتين، توفيت جرتن إثر جراحة فصية وكانت قد أدخلت مصحا عقليا. وربما كانت قصة هذا الثنائي معذبة، لكن فنهما الشخصي والمختصر والمتفائل بشكل مفاجئ ليس أبدا بالمعذب.
إلا أن الفن في المناخات الباردة قد يكون قاسيا بعض الشيء. ففي أواخر سني مهنته، توطدت عرى الصداقة بين لوكاس كراناش (1472-1553) ومارتن لوثر مؤسس مذهب البروتستانتية. وكان لوكاس يعاني ضغوط المتشددين للتخلص من الصور والأيقونات، لكنه كان يعلم أن الكثير ممن قد يهتدون إلى مذهبه سيكرهون التخلي عنها. فناشد باعتماد حل وسط وقال إن الفن الديني لا بأس به طالما أنه لا يتسم بنوعية الفن الكاثوليكي المتقن. وبسبب تأثره بلوثر، تراجع كراناش عن واقعيته البارعة والمصقولة وأنجز لوحاته بصورة تمهيدية بعض الشيء، فبات بذلك أول فنان في التاريخ يعتمد المنحى التراجعي عمدا. وشم عرض أعماله الأخيرة التي تعكس وجود لوثر في حياته (لكن المعنون ببساطة "كراناش") في متحف الدولة للفن في كوبنهاغن حتى الثامن من سبتمبر.
وكان كراناش ألمانيا تماما كالرسام نيو روش الحائز إحدى جائزتي فينست عام 2002 اللتين تقدمان لفنان أوروبي بين الـ 35 والى 45 من العمر. لكن بغض النظرعن جنسيتهما، فقد تعتقد أن ما من ترابط بين هذين الفنانين. لكن يمكنك القول إن وارهول هو بالنسبة إلى روش ما كان لوثر لكارناش حيث فن البوب يحل محل البروتستانتية. ولوحاته التي يمكن رؤيتها حتى السادس من أكتوبر في متحف بونيفانتن في مستريخت في هولندا هي رجعية تماما كلوحات كراناش. لكن في حالة روش كانت العودة المتعمدة إلى فن العصور الوسطى بمنزلة عودة إلى الصور الجدارية الكريهة وغير المتقنة للدعاية بأفكار الألماني الشرقي. وان كنت تحب التهكم المرئي فروش فنان ستحبه.
لكن إذا كنت كمعظم الناس تفضل أن تكون لوحاتك صادقة، فلا شيء يضاهي أساتذة الرسم الكبار. وألبرت سوب (الذي ولد نحو عام 1620 وتوفي سنة 1691) أحد أفضل رسامي المناظر الطبيعية خلال "الحقبة الذهبية" للوحات الدانماركية. وكان ليعتبر من الأساتذة الكبار لو لم يكن روبنز ورمبرانت وهولزوفيرمير يرسمون في هذه المنطقة قرابة الفترة ذاتها. ولوحات سوب الخارجية تتسم بأشعة شمسية ونسمات عليلة أكثر من لوحات منافسيه (وربما أكثر أيضا من حقيقة الطقس الدانماركي). وبالنسبة إلى الكثيرين سيكون اكتشافا حقيقيا في متحف ريجكس في أمستردام (حتى الأول من سبتمبر).
ومن خلال عدسة المصور الألماني المعاصر توماس روف تبدو بالمقارنة اللوحات الدانماركية الواقعية غامضة بشكل إيجابي. فصوره الملونة والكبيرة وكثيرة التفاصيل التي يصفها الفهرست "بوجوه زملائنا البشر الغريبة والمخيفة" معروضة على جدران المتحف الأيرلندي للفن الحديث في دبلن (ابتداء من 2 أغسطس وحتى 6 أكتوبر). وروف، الذي تلا رياديين أمثال الأمريكي ويليام إيغلستون المولود عام 1939 في مدينة ممفيس بولاية تنيسي والذي لا يزال يعمل هناك، ظهر إلى العلن مقدما صورا فوتوغرافية ملونة جديرة بأن تكون في المعارض الفنية وليس فقط في الإعلانات. فلقطاته ذات الزوايا الغريبة المتقنة والدقيقة لشوارع أساسية في مدن صغيرة ولعامة الشعب تكثر فيها الألوان المتباينة بشكل بارع. ويحب روف على وجه الخصوص تموجات الأحمر. ولا بد من بعض الوقت ليدرك المرء قيمة أعمال هذا الفنان، لكنها تستحق الانتظار في معرض هايورد في لندن داخل مجمع ساوث بانك (من 11 يوليو إلى 22 سبتمبر).
وربما يستخدم المصورون في مهنتهم فيلما لكن نادرا ما اتهم أحدهم بأنه "يريد أن يلجأ إلى الإخراج". إلا أن هذا لا ينطبق بالطبع على فنانين يصنعون أفلاما كإيجا ليزا أتيلا من فنلندا (ويقول أحد النقاد بعدما رأى أعمالها في معرض دوكومنتا 11 في كاسل بألمانيا إنه "من المدهش" ألا تكون الآن في هوليوود تجلس على كرسي المخرج التي تحمل على الظهر اسمها). وأفلام أتيلا محكمة من حيث التقنية لكن من خلال أفلام (Consolation Anne,Aki and God (1998)& service (1999)) تطهر تركيبة غير مترابطة نوعا ما تستلزم جهدا إضافيا. لكنها تستمتع بعرضين لها حاليا (الأول في متحف تايت مودرن في لندن حتى 28 يوليو والثاني في متحف كونستال في زوريخ حتى 11 أغسطس). لكن إن كانت أتيلا تريد إحراز النجاح في عالم الأفلام، فعليها أن تفكر في العمل على الرسوم المتحركة اليابانية الخيالية والمثيرة التي يتحمس لها أمناء المتاحف ومديرو دور السينما في هذه الأيام. فمن 26 يونيو وحتى،2 سبتمبر، في مؤسسة كارتييه في باريس يحظى الرسام تاكاشي موراكامي بمعرض كبير لصوره المتحركة المعدة لتليق بالمعارض الفنية. وأيا كان رأيكم بها، فلا بد أن تعترفوا بأنها تدهش العين تماما كصاحبها، مصمم المجوهرات في كارتييه، حين تكون معروضة داخل صناديق أعدت خصيصا على يد مصمم كبير هو يتوري سوتساس، المهندس الإيطالي الذي ساعد في تأسيس مجموعة معروضات ممفيس في الثمانينات. وبالإمكان رؤية هذا العرض المذهل في متحف فيترا ديزاين في برلين حتى 13 سبتمبر.
ويتفق أننا نؤيد تماما معاملة التصاميم كلوحات في المتاحف. لكن إذا كان لنا أن نختار، يقع خيارنا على إرنست دويتش (1887- 1938) في متحف ماك في فيينا المستمر معرضه حتى 14 يوليو. وقد كان دويتشى "مصمما كونيا" أعد الملصقات الإعلانية والملابس والرموز وأزياء الأفلام وصفحات الغلاف لعدد من المجلات في زمن كانت فيه تكنولوجيا الطباعة بدائية، بحيث كان يتوجب على المصمم أن يستفيد بشكل كامل من كل صفيحة معدنية ملونة غالية الثمن. وهذا ما فعله دويتش. وفي الواقع إن عمل دويتش يذكرنا بشكل لطيف بأن أفضل الفنون ليست موجودة دوما في أكثر الأماكن بديهية، تماما كما المعارض الكبرى.